السبت، 14 يوليو 2012

لأنها من العاشقين _الجزء الخامس والأخير_



بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمدٍ وآل محمد 

أشكركم أعزائي زوّار المدونة جميعًا وقد أسعدني تفاعلكم مع الجزء السابق وقد افادتني كثيرًا انتقاداتكم البنّاءة وأقدّم شكري لمن صمّمت الصورة الخاصة بالقصة الصديقة العزيزة (مريم العنكي) وعلى الحُسين ثوابها 
متمنيةً لكم قراءةً ممتعة في الجزء الأخير من هذه القصة (الجزء الذي أنهكني كثيرًا وسلب قوتي)
أتقبّل نقدكم حوله وأتمنى أن تكونوا دومًا بالقرب من مدونتي 
***
(5) 
وكانت ماتزال منذ وفاته تجلس كل سحَرٍ في غرفته وتهدي له بعض السور والركعات وتُقلِّب أغراضه تتذكره فيها . ذات ليلةٍ وهي تعبث بوسادته أحسّت أن بداخلها شيء ،حاولت إخراجه وإذا هو مظروفٌ مكتوبٌ عليه (إلى زينب ) ،فأسرعت تريد فتحه.

فتحت المظروف وفيه ورقةٌ أخرجتها وبدأت تقرأ :
(                                                               بسم الله الرحمن الرحيم
                                                           اللهم صلِّ على محمدٍ وآل محمد
أوصيكِ أخيتي زينب بالصبر الجميل والالتزام بالنهج الزينبي دومًا كما عهدتكِ زينبيةً في صبركِ ،وإني يا أخية تائقٌ إلى لقاء سيدي الحُسين كما تعلمين ،واليوم أشعر بإحساسٍ لم أشعر بهِ من قبل وكأن أحشائي تتقطّع وقلبي يتمزق إربًا من فرط ما حلَّ بي من الشوق ،فربما قد دنت منيتي .ومن يدري فقد لا يأذنُ ربي أن أذهب وإياكِ معًا إلى مولانا ،فأوصيكِ أخية
إذا أخذني ربي إلى جواره وفي رحمته فلا تتركي الزيارة واذهبي برفقة اخيكِ حسين فسيكون نعم الرفيق في السفر وسأكون مستقبِلًا لكِ هناك إن أذِن الحُسين لي.
والسلام عليكِ ورحمةُ الله..

                                                                                                              علي
                                                                                                     20/2                                                 )

اتسعت حدقتا عيناها بعد أن كانت تسكب الدمع ،نظرت إلى تاريخ هذهِ الرسالة فإذا هو ذات اليوم الذي توفي فيه أخوها ،(أيُ عطفٍ يا أخي ذاك الذي وهبكَ إياهُ الحُسين ! نعم لقد نلت كرامته وأنا سأنفذُ الوصيةَ ياشقيقي)
نهضت وتلك الرسالة في يدها تقصدُ حسينًا لتخبره بما وجدت فأخذها وقرأها ،تذكّر أخاه وبكى. تأوّهت زينب في قلبها لكنها لم تبكِ ،كانت تنتظرُ إجابة أخيها على ما قرأه.
_هل رضيتِ الآن بالذهاب يا أُخية؟
_نعم، إنها رغبته ،واحمرّت عيناها وكأنها تُصارع دموعها ألا تخرج من مقلتيها.
_ أنا لم ألغِ الحجز كما طلبتِ مني قبل أيام ،فالحمدلله أنني لم أفعل وها نحنُ على أبواب رجب الأصب فلتتهيأي يا أختاه.
_أتمنى أن يُطيل الله في أعمارنا لنبلغ ذلك اليوم .
_هيا قومي لنومكِ واريحي بدنكِ ،تصبحين على خير.
_تصبحُ على خير يا أخي ،تحفظك عينُ الرحمن.
لم يستطِع حسين النوم في تلك الليلة والأفكار تراوده هل كان علي مُبشّرًا بدنو أجله أم كان ماكتبه محضُ صدفة؟! وليس بالغريب أن يكون مستشعرًا بذلك فالمؤمنين أمثاله ذوي الأرواح الشفافة قد تشعرُ أرواحهم بمثل ذلك ومن يدري فلقد كان علي يوقظني مرارًا على صوتِ مناجاته وكان يسهرُ ليالي الجُمَع إلى الفجر بين تراتيل القرآن ووجْدهِ على الحُسين ،لا أذكر أن عليًا ترك صلاة الليل ذات ليلةٍ أبدًا ،وكيف أنسى أحياؤه الليالي المباركة مع زينب.
زينب؟ وكيف لي أن أملأ جزءًا بسيطًا من الفراغ الذي خلّفه رحيل علي عنها وهو من كان لها التوأم الروحي ،لم تكن علاقتهما أخٌ وأختٌ فقط بل كانا كغيمتان اصطدمتا فأمطرت لتُزهر الأرض وتخضّر ،هما كذلك في تعاونهما وبث روح الحياة في البيت ،إلهي ساعدني أن أكون لزينب نموذجًا من علي.
*****
انقضت أيامُ رجب وأقبل شهر البركات شعبان ،وكل ما مضى منه يومٌ ازدادت جمرةُ الشوقِ في قلب زينب إلى لُقيا كربلاء ، وكان من المقرر أن تكون رحلتهما يوم السابع من شعبان. اقبل اليوم الخامس وبدأت زينب في الاستعداد للسفر وحزمت حقيبتها للرحيل والشوقُ بها لايخبو أبدًا وظلت في اضطرابٍ حتى أتى يوم الرحيل. التفتت زينب إلى يدها فقالت: لقد نسيته ! ثم توجهت إلى غرفة علي وانحنت على المصلى والتقطت خاتم العقيق ولبسته في يدها اليمنى.
ودّع الأخوان أبواهما وداعًا حارًا ملؤه الشجَن ثم انطلقا يقصدان الجنة ، في طريقهما إلى المطار حدّثها حسين عن أنه سيكون لها نِعم الرفيق في السفر وقال لها لاتترددي في طلب أي شيءٍ مني. رأى حسين في حديثها ما أذهله فلقد اسمعتهُ من شوقها عجَبًا ،فهو لم يعرفها كثيرًا ولم يكن بكثير التحدث معها.
ما زالا يتحدثان حتى وصلا إلى المطار واتجه حسين إلى ختم الجوازات وما يتبعها فما كانت إلا دقائق حتى أُعلن عن رحلتهما. صعدا الطائرة وجلست زينب بالقرب من النافذة وما ان اقلعت الطائرة حتى بدأت دموعها تنهمر . مضت مدة الطيران وحان موعد الهبوط في مطار النجف الأشرف ،عمَّ السكون الطائرة وكان البكاء سيد الموقف وزينبُ لاتشعرُ بنفسها فلقد سيطرت عليها حالةٌ لاتستوعبها سوى الدموع. هبطت الطائرةُ بسلام في مدينة السلام وخاطب حسين أخته هيا يا أخية قومي بسرعة لكي يسعنا الوقت ونذهب للزيارة قبل صلاة الظهر ،لكن زينب لم تنهض وأحسّت كأنها شُلَّت من الفرح فساعدها حسين على القيام فنهضت قائلةً : ياعلي أدركني.
وصلا إلى الفندق ووضعا حقائبهما ثم اغتسلا غُسل الزيارة ،فلا أدري هل اغتسلا من مياهِ النجف حقًا أم من مياهِ عينيهما المنسكبة! لما فرغا خرجا يقصدان أمير المؤمنين ومأوى العاشقين ،وكانت تزداد معرفة حسين بأخته وكم أنها عاشقةٌ مخلصة  وكانت كثيرًا ماتُبكيه كلما كفَّ عن البكاء ، مشيا وهما لايكادان يبصران شيئًا من كثرة بكائهما لحتى بانت أنوار تلك القبة البيضاء التي استحت منها الشمس . افترقا ليدخل كلٌ منهما إلى الحرم العلوي وصلت زينب إلى الأعتاب الطاهرة فأهوت ساجدةً تحمدُ الله وتقبّل تلك العتبات ،قامت وجعلت تخاطب الأمير : ( سيدي أبا الحسن ،أشكرك ياحبيبي ان قبلتني زائرةً لك ،أشكرك لأنك جعلتني أزور الجنة التي لم يكن حُسنها يخطر على قلبي ، فيا أميري بقيت لي حاجة أودعها لديك)
ومضت الأيام وهما في جنة الأمير حتى جاء يوم الرابع عشر وهمَّا بالخروج مشيًا لكربلاء (مهوى القلوب) وكان مرادهما أن يصلاها فجرًا مع اقتراب موعد ولادة حجة الله في أرضه ،فانطلقا في مسير العشق يقصُدانِ الإباء ،يقصُدانِ التضحية والأخوّة ، رددّت بينها وبينها (إلـ جنة عدن قصدنا وبروضتك وعدنا ..مشّاية نرفع مستهل حيَّ على خير العمل يا حُسين)، ورأت العجائب في ذلك الطريق فليست الجنة أجمل من كربلاء ،فهي واللهِ الجنةُ السرمدية.
اقترب الفجر وبانت أنوارُ كربلاء لها ،أجهشت بالبكاء بقوةٍ وقالت بصوتٍ مسموع (ياحبيبي يا حُسين ، نور عيني يا حُسين) . وفجأةً سمعت صوت حسين يقول :ابتعدي من هنا بسرعةٍ يا زينب! وصوتٌ آخر بدا مألوفًا لديها يقول: قفي يازينب مكانكِ ! فأطاع قلبها الصوت الآخر وكفَّت عن البُكاء ورأت العالم يزدادُ نورًا حولها وسطعت قبة المولى أمامها فخرّت تهوي إلى الأرض فتلقّفها أحدهُم ،نظرت إلى وجههِ المكلل بالنور وهو يقول :مرحبًا بكِ في الجنة ياشقيقة روحي زينب !!
نعم لقد تلّقى عليٌّ روحها كما وعدها هناك عند الحُسين مستمدًا وفاءه من أبو الفضل أبو الوفاء ، فلقد أخذ التفجير الغاشم روحها وأصبحت في عداد الشهداء !

مضت أيامُ الزيارة ورجع حسين وحيدًا قد خلت يداه من زينب ،استقبلتهُ أمه الشائقة إليهما :أهلاً بثمرةِ قلبي.. أين زينب؟ أين أختك يا ولدي؟
فسبقتهُ دموعهُ وأجاب : لقد استُشهدت يا أماه .. لقد لحقت بعليٍّ وركب السبايا .. استُشهدت وبقيتُ أنا يا أماه .. تركتني وحيدًا .. استُشهدت لأنها من العاشقين !

** تمت بحمد الله**

هناك 5 تعليقات:

  1. اللهم اجعلنا من العاشقين
    اللهم ارزقنا زيارتهم في الدنيا وشفاعتهم في الآخرة
    رحم الله الشهداء زوار ابي عبدالله عليه السلام ورحم الله عشاقه من المؤمنين والمؤمنات
    سلمت يمينك ايتها العزيزة
    ولائية رائعة

    خالك
    خالك

    ردحذف
  2. عيوني تدمع بحالها =(
    ان شاء الله نكون من العاشقين ونستحق نكون بذي المنزلة الرفيعة عند الله ورسوله وأهل البيت عليهم السلام

    سلمت يداكِ غاليتي

    لا حرمناكِ

    ردحذف
  3. لن تكون النهايه حزينه
    بل مفرحه بعمق
    هنيئاً لكِ الجنه يآ زينب
    حقاً استحقيتيها لأنكِ فقط من العاشقين



    سلمت يمناكِ عزيزتي

    Ghadeer

    ردحذف
  4. لا يسعُني الوصفَ أو التعبير ..
    جميله جداً ولا يكفي القولَ بأنها جميله ..
    لقدَ أبكت قلبي ..
    تمنيتُ أنَ أكونَ مع زينبَ..
    فمتَى يُؤذنُ لِي .. فالروحُ تَتمزقَ من الحنين ..
    دامَ قلمُكِ الرائع فاطِمة ..

    بإنتظار جديدُكِ ..


    Reyhana

    ردحذف
  5. سلام عليكم..
    قصة مؤثرة بالفعل ، ومصدر فخر لكل شيعي ان يكون من ارحامه مثل زينب وعلي.
    غاب في القصة في اجزاءها الخمسة سر عشق زينب واخوها علي للحسين وما هي الاعمال التي اوصلتها إلى هذه السعادة، طبعاً اقدر بأنها تجربة ناجحة ولست ناقد انما ملاحظة احببت الاشارة إليها ولا نسى حسين وإفاقته وعودته لأحضان اسرته ما اسباب عودته واسباب بعده.
    قصة جديرة بالقراءة كتبت بقلم الصدق والاخلاص لله واولياؤه الاطهار ، يستشعر ذلك من قشعريرة البدن اثناء القراءة
    حتى يأذن الله بقراءة اخرى كونوا موفقين للخير

    ردحذف