الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

على لسان خيرة النسوان(3)



تنتحبُ وتنشج "حميدة" في حضن والدي، ودموعه تتساقط على رأسها المُثقل بعظم المصيبة، وقلبها أكثر حرارةً من الجمر الملتهب، وهي تجترُّ حديثها من بين الدموع لتقول يا خال إن روحي تتصدّع لفقد والدي، أنا يا خال لم يمرّ ببالي أن سفرهُ هذا يطول ولا أرى نور وجهه أبدًا، لم أدرِ أن روحي لن يحتضنها ظل الأب بعد هذا اليوم. بكى والدي معها وارتفع صوته وهو يقول لها أنا أبوكِ وبناتي أخواتكِ يا بُنية.

 انتحبتُ أنا وعزلت نفسي جانبًا لأبكي متذكرةً ظهر عاشوراء، فحميدة ستفقد والدها الحسين أيضًا، ستتأجج جمرة قلبها أكثر وستُحرق قلبها حزنًا وحسرات، وسأحتضنها وأصيح برفيع صوتي لقد رحل والدي يا حميدة، وضاع أملي وكُل عيشي السعيد قد مات.
نعم انشجي يا حميدة واندبي فهذا اول المصاب، واللهُ معيننا على الآتي، والله كافلنا من بعد الحسين

الاثنين، 27 أكتوبر 2014

على لسان خيرة النسوان (2)




ظـلام الليـل يلچـمـني ولغراب
غريبه يعوفني ابداري ولغراب
گلِـت تالـي يرِـد ليَّـه ، ولغراب
إجه او گطَّر دِمه نحرك بديَّه

نسيرُ في هذه الصحراء الموحشة وسط أجواءٍ مليئة بالترقب والدموع وكل واحدةٍ فينا تُبدي قلقها للأخرى، وكل الركب متوجهون إلى قبلة والدي الحسين، لا أدري أنُشبع أنظارنا من جماله أم نعوّذه بالله من كل آفةٍ وشيطانٍ مارد! كالشمس يتقدّم الهاشميين ووجهه يتهلّلُ طمأنينةً وعزّة.

ليتكِ يا أختاهُ معي تتأملين وجه أبيكِ وتربتين على كتفي كلما ارتجف مُعلنًا البكاء، ليتكِ معي لأُلقي بنفسي في أحضانكِ، أختكِ الصغيرة يا فاطمة ما عادت تتصبّر على حمل كل هذا.

آهٍ لفاطمة، ما حالها والمنزل أكثر ظلمةً من الظلام وهي وحدها، تارةً تُغشى من ألم المرض وتارةً من الحزن، وحدها في المنازل تتصوّر إحمرار السماء وتنظر دماء الحسين على يديها، وتصرُخ بلا مواسي، تطلُب من الله أن ترى وجه أبي قبل أن تزهق روحها..لكنها لا تراه، تتمنى أن تُقبّل كفيه ورأسه.. لكنه بعيد، بعيدٌ جدًا!


ولا أحد غير غربان الشؤم تصيح في وجهها كل يوم وتخبرها بالحزن العظيم الذي سيقع على قلبها، والفاجعة التي ستحلّ على رأسها. آهٍ يا فاطِمة لحالكِ وحالي.. آهِ لنا بعد يوم العاشر!



*الأبيات بالأعلى للشاعر عادل أشكناني

الأحد، 26 أكتوبر 2014

على لسان خيرة النسوان (1)




بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد آل محمد وعجّل فرجهم والعن أعدائهم
سيطول بعدي ياسكينةُ فاعلمي       منكِ البكاء إذا الحِمام دهاني
فإذا قُتلت فأنتِ أولى                بالذي تأتينهُ يا خيرة النسوانِ
***
 مُذ خرجنا من مدينة جدي رسول الله -صلى الله عليه وآله- والسكون مطبقٌ على رحلنا الهاشمي، كل علويٍ وكل شيءٍ ساكنٌ ويترقّب ما يأتي علينا، إلا صوت دمعة عمتي زينب يخترق كل ذاك السكون ويجعل أرواح الفاطميات مضطربة داخل هوادجها.

أتأمل وجه عمتي لأقرأ من خلال عينيها القلقتين ما الذي يعتلج في فؤادها، عمتي خائفة من أنه حان موعد الحدث الأعظم الذي أخبر به رسول الله، وجه عمتي متغيّر اللون وعينها لا تبارح النظر إلى والدي.

الآن صوت والدي الحسين يأمر الرجال بالتوقف يريد الاستهلال، وعين عمتي زينب تتعلّق بعينه وتنظر معه حيثما نظر. يطأطأ والدي برأسه، يحوقل ويسترجع وبجانبي أنّت المخدّرة أنةً عظيمة خفت عليها أن تزهق روحها على اثرها، فلقد علِمَت أنه حان موعد الحزن المنتظر، حزن فقد الأهل والإخوة الذين لم يُنجَب مثلهم أبد الدهر.

ينكشف جزءٌ من طرف الهودج ويُدخل القمر رأسه إلينا ووجههُ قد ملأه الذهول على أخته العقيلة وينزف جبينهُ غيرةً على ميلان الهودج المقدّس، راح يطمئنها ويقرأ اسم الله على قلبها المرتعب. هنا لم أتمالك نفسي وعيني هطلت كما المطر من مرآهما، فكيف بعمتي بعد عاشوراء وما من عبّاسٍ يقرأ عليها؟ كيف بعمتي وما من ضرغامٍ تستندُ إلى كتفه؟


اقترب عمي ناحيتي ليهمس لي أن لا تخافي وعمّكِ موجود " هل يُخيف سكينة العزيزة هلال؟". بل يا عمّ يخيفها أن يُخسف قمرها الأبيض ببزوغ هذا الهلال!