الخميس، 5 مارس 2015

و رحلت فاطِمة..


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وعجلِّل فرجهم العن اعداءهم

نقلًا عن المرجع الكبير الشيخ الوحيد الخراساني دام ظله: " إنّ واجبكم أيها الفضلاء أن تطلقوا أقلامكم وألسنتكم في بيان مظلومية الزهراء عليها السلام، التي لم يرَ العالم مثلها، وأن تعرّفوا الناس بهذه المظلومية التي لم يعرف التاريخ مظلومًا مثل زوجها ومثلهًا"

لست من الفضلاء ولكنني أمتلك قلمًا يريد أن يحكي أحزان الزهراء، فحشّدتُ كلماتي وجعلتها تركع عند قدمي سيدتي زينب عليها السلام لتروي لنا ذاك المُصاب..

كانت السماء يومها تُمطر كمدًا، وأصوات نواح الملائكة تحفُّ بيتكِ تساعد أمكِ في فقدها، كنتِ تتأملين والدكِ يجمع القرآن ويكتبه..غارقًا في كلام الله ومُغرقًا العالم في عينيه..

ما زال يُحرّك يده ويخط، يُبطئ قليلًا كأنما انقبض قلبه في جوفه، يُرخي رأسه ويتحادر الدمع، الدمع الذي لم تري غيره في الأيام الأخيرة.. ذُهلتِ من فعله فألحق ذهولكِ صوتها الضعيف تقول: " يافضة إليكِ سنّديني"

قمتِ، تعثرتِ بأذيالك ووقعتِ.. عندما تلقّيتِ الأرض بيديكِ أحسستِ بدفءٍ غريب، إنه شيءٌ دبقٌ داكن.. ثم نظرتِ من أين يجري ومشيتِ تتبعينه وكانت هناك..بين الأرض والباب تتراءى يدٌ صغيرة، أصغر من يديكِ الترِفة..يدٌ حمراء قانية، لونٌ لم تريه من قبل ومن هذا اليوم سيبدأ رحلته معكِ.

حرّكتِ الباب لتعرفي قصة اليد الصغيرة والدماء الكثيرة، حرّكتِ الباب لتقتلعي قلبكِ المرهف وتصرخين، لتفزعي وتركضي مبتعدةً ثم تعودين لتشهقي وترمي بنفسكِ عليها، على نبع الدماء، على أيامكِ الكسيرة.. 
تسمعين صوت حطام قوارير متصادمة تعقبها أنةٌ عظيمة، مصدر الصوت حيث وضعتِ رأسكِ، صدرها!

تفزعين مجددًا وتيممين شطرك نحو الغياث وترين خيط الدم الممتد أرضًا قد تغطى بحبلٍ طويل..طويل، حبلّ متين كما لم تري من قبل. مشيتِ إليه والذهول يزلزلكِ، فقط تبحثين عن علي، ثم ماذا؟ إلى ماذا نظرتِ؟ هل كان يشد وسطه ويضع الفقار عليه؟ يلبس عمامتهُ على عجلٍ وغضب؟ 
 
لا يا زينب، رأيتِ ذلك الحبل ملتفٌ كأفعى حاقدة حول عنق الرجل الوحيد في الدنيا، عنق هيبتكِ ووقاركِ. ثم ماذا؟ كيف كانت عيناه؟ 
يُشيح نظراته المليئة بالقذى والألم، حتى لا يراكِ ولا يرى دماء الزهراء على ردائكِ، لا يرى الحُمرة تعتلي وجهكِ..

تتوالى الأيام يا زينب وترينها مُسجّاة على سجّادتها وقت الغروب، غابت و قد انتحل جسمها وذبُل ما حول عينها، عينها؟ انبئيني عن العين، ذابلةٌ أم متورمة؟ كالجمر كانت أم كالرماد؟
والآن يا زينب، وقد تمدّدتِ بطولها.. اعتفري وانشري الشعر، مٍري السماء أن تقع قبل أن تري صدرًا آخر مرضّضًا، دعي الحيطان تنّدك واعولي، لملمي شتات الدموع ثم اغتسلي بها، وعندما تصبح الوالدة تحت التراب وتبقين وحيدة..وحيدةً كعصفورٍ أضاع أمه وفقد جناحه، حينها تكوّري على نفسكِ واجلسي خلف الباب حيث الدماء القانية وانشُجي، تناولي المسمار وشُمّيه واذهبي حيث كنتِ يوم الواقعة، حيث يجمع الهزبر القرآن وناوليه المسمار، دعيه يكتب به سِفر الأحزان..
ثم ردّدي: "وسيعلم الذين ظلموا -آل بيت محمدٍ -أي منقلبٍ ينقلبون"..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق