الثلاثاء، 20 أكتوبر 2015

يا أيها العبّاس



 "اصعدي إلى جلعاد وخذي بلسانا يا عذراء،لا رفادة لك. قد سمعت الأمم بحزنك، وقد ملأ الأرض عويلك، لأن بطلا ينصر بطلا فيسقطان كلاهما معا"  *الكتاب المقدّس-سفر آرميا *


يا أيها العبّاس..
انهض وانفُض دماك، حاملًا السِقا واقصد خيمتك..
أسرِع لذاك المُغمى عليه عند سجادة صلاتك..
بُخّ وجهه بالماء، ونادِه..

ناده النداء الذي تمنّى سماعه منك،
نادِه ببسمتك التي تجلي الهموم.."أخي"
أوما تدري يا أيها البطل ما يجري هناك؟
محبوبك الجريح جالسٌ وسط الخيمة، بجانبه زينبُكم..وعُطاشاك..

ينعاك..يغُص بحزنه، وتعلو الصيحة!
يُقيم مأتمه وينعاك..
يبكي ويُبكيهم على أثر السجود بين عينيك وقد فقدوه!
على صوت تلاوتك عند الأسحار وقد غاب وخبى!
يبكي السرور الذي كان يغشاه كلما وقعت عينه عليك..
يبكي رائحة "علي" التي تملأ أنفاسه كلما احتضنك..

يا أيها العباس أقبِل فقد تلوّع قلبه..
يتأوّه عليك وتنحني أضلعه..فاقدًا أنفاسه ونفْسه
فكُلُّها رحلت معك عندما ودّعك "اركب بنفسي أنت يا أخي"..

الخميس، 15 أكتوبر 2015

العرفان الحسيني



بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وعجِّل فرجهم والعن أعداءهم

"يا من نضدتم سلال اللهفة، جمعتموها تحت خمائله، ليهطل الثمر والمطر عشرة أعمار وثلاث فصول، اجمعوا زادكم منه وحده، ففي عطائه شبع وكفاية.
هو وحسب! انظروا.. لما تقصيكم عنه صوائح الحناجر الباهتة؟
انفضوا أياديكم من وضر النأي واسعوا إليه..اغترفوا من عطشه معينكم، واغتسلوا بانسكابات كوثره، وفي كل مساحةٍ..ازرعوه" تسنيم الحبيب*

ربما تأخر هذا المقال قليلًا في محاولة للخروج بأفضل تقديم له فلم أجد أفضل من نص الكاتبة الحبيب أعلاه مختزلاً حديثي.. عن المعرفة، معرفة المولى الحسين، كيف بنا ونحن على أبواب يوم الواقعة ونُهيّئ أنفسنا وننبئ أدمعنا أن تأهبي فقد حل المصاب وحان ميعاد الاكتئاب..
كيف لنا أن نجعل هذا المحرّم أفجع محرم يمر علينا ونبذل فيه كل أحزاننا أكثر من أي عام مضى؟ فهل يا ترى يكفيك أن تبكي ذات المقدار الذي بكيته العام الفائت؟ أم هل يرضيك أن تخرج من أيام عاشورائ وأنت لم تتقرب من الحسين عليه السلام خطوةً أكبر؟
لماذا الكثير منا يبخل على نفسه ويكتفي بعشرة أيام يحضر فيها مجلسًا أو أقل وربما ليلتان فقط؟
نحن وخصوصًا الشباب والشابات نفتقد إلى معرفة الإمام الحسين عليه السلام، نعم لا أحد يستطيع الوصول إلى كنه معرفته روحي فداه لكن محاولة التعرف إليه تقربنا منه، تُفرح قلب صاحب الزمان عليه السلام..

العرفان الحسيني؟
أن تعي حقًا هذا الحب الأقدس الكبير جدًا وأن تكون هائمًا فيه، متسربلا دوما بالحزن العميق لأن محبوبك الأعظم مظلوم وموتور..
العاشق عندما يبدأ في حبه صغيرًا مملوء بالشغف تجاه حبيبه، مشغول الفكر به وبالتعرف على أعماقه وصفاته، يهوي إليه فلا يرى غيره..ربما يُصاب أحد أصحابه بسوء ويصاب في ذات الوقت محبوبه فلا يكترث لصاحبه، لأن الجزء من قلبه قد أُصيب. فيظل مكتئبا منعزلاً عن عالمه حتى يزول السوء عن محبوبه..
كيف بك ومحبوبك الحسين الذي تناديه "بأبي أنت وأمي" هل فعلاً تحزن على الحسين أكثر من حزنك على والديك؟ هل تتتعامل مع مقتله كما تتعامل مع موت احدهما؟ أم مصابك في والديك أعظم؟

لماذا علينا تقصي المعرفة؟
لأننا شيعة! لقد اخترنا بعقولنا هذه في عالم الذر أن نكون موالين ومحبين لأبي عبد الله عليه السلام..وبما أنك اخترت أن تحمل هذه الأمانة العظيمة لا بد أن تسعى في الحفاظ عليها، تسعى لخدمة هذا المذهب الشريف ورفع رايته لا أن تكون على هامش الحياة.
علينا تقصي المعرفة لنُمهِّد ظهور الإمام الغائب صلوات الله عليه ولكي نعي حقيقة الغيبة المباركة وحقيقة الظهور، لا سيما أننا نعرف مال الذي سيظهر لأجله الإمام.. الثأر للدماء التي لم يُطلب لها، للدماء التي اقشعرّت لها أظلة العرش..دماء جده الحسين!
أضف إلى أن قربك الدائم والمتواصل من مولاك الحسين له لذةٌ لا تُضاهى أبدًا.

لماذا نحن غافلون عن الشرب من هذا النبع؟
·        حب النفس المبالغ فيه.. فتجد ذاك الشاب المعجب بنفسه ولسانه الذي يستطيع به إفحام كل أحد ويحاجج به في مواضيع زائلة وسُبابٌ هنا وهناك لأجل مباراة أو غيرها، يبذل طاقته كلها في هذا المراء ثم لا يمتلك القدرة على التقرب من مولاه، فهو مشغول بأشياء كثيرة.. ولو استغل فصاحة لسانه في التحدث مع أصحابه في سيرة المولى لازدهرت نفسه وأنفسهم.
وأيضا تجد هنا الشابة منخرطة في الإهتمام الزائد بشكلها ومظهرها، مساحيقها و"ماركاتها" لتظهر أمام العامة بالمظهر الذي تحبه، فتغدو تلهث وراء مغريات الحياة حتى تستولي عليها وعلى ثقافتها..فتجدها تخاف أيام عاشوراء! فلا تستطيع أن تظهر بدون زينتها فتفقد ثقتها بنفسها ولا أن تظهر بها فترى نظرات الاستنكار على الوجوه! وهنا تغلّب حب نفسها على حب الحسين فلو اعتنت بمعرفته كما تعتني بمظهرها لكانت ذُهلت بالمصاب عن كل ترهات الحياة..كما تفقد الفتاة عادةً حواسها عندما يموت أبوها!
·        التعامل مع عشرة المحرم معاملة الواجب الاجتماعي
وكأننا سنذهب لعزاء أحد الأقارب متمللين "لنتجنب لوم الوالدين" وتمضي الأيام ثقيلةً على قلوبنا لأن خروجنا للأسواق سوف يقل وبعض "الكشتات" ستتعطل، حتى بتنا نُقرر ونضع جداولا للترويح عن النفس بعد أن تنتهي هذه الأيام فورًا وكأنها أيام عادية تمر وروتين سنوي طبيعي، وليست هي الواقعة العظمى التي خلق الله لأجلها الخلق والتي يتهيأ لها الحجر والمدر.
·        لأننا لا نتفقه كما يريد منا أهل البيت
مستعدون لقراءة (رواية رومانسية) هابطة مليئة باللغط وخاوية من المعنى لكن لا نمتلك نصف ساعة لقراءة حديثٍ عن عظمة يوم الطف! وحتى إذا حضرنا المجالس أو نُقل إلينا حديث أحد الفقهاء وتحدّث بما لا نعرفه، حاربناه وقلنا أن الحسين لا يريد هذا وهناك ما هو أهم من قضايا الحياة..وكأننا عرفنا الحسين؟

كيف نقترب روحيًا من الإمام الحسين ونعرف القليل؟
·        اقرأ عن حياة الإمام من قبل ولادته وحتى استشهاده، وعن التخطيط الإلهي لواقعة كربلاء.
·        انظر إلى أحوال العاشقين وتأمّل ماذا يفعلون، في أيام الأربعين مثلا.
·        زر الحسين عليه السلام وواظب على زيارة عاشوراء، فلها الأثر الروحي الكبير، زرها واطلب من المولى أن يرضى عنك ويذكرك..دعنا نبدأ الآن مع بدء المحرم ونستمر لأربعين يومًا.
·        دعنا أيضًا نواظب على الزيارة الجامعة ففيها ما فيها من البناء العقائدي العظيم.
·        نحن كانت لدينا كنوز عظيمة قريبة من الإمام الحسين عليه السلام لكنها ذهبت إليه هذا العام وهي تُصلّي، فلنتأمّل أحوالهم جيدًا ونرى ماذا كانوا يفعلون حتى نالوا هذا القرب، فليس اختيارهم بالشهادة مصادفة بالطبع بل قد أعدّوا أنفسهم وأرادوا القرب، وقد قرأتَ بالطبع عن بعض مواقفهم التي تُبيّن علاقتهم به عليه السلام.
·        للشعر دور كبير في هذا.. اقرأ للعاشقين للمولى وتأمل أبياتهم العظيمة التي حظت بنظرة من أهل البيت..خذ مثلا شعر السيد حيدر والسيد جعفر الحلي.

هنا بعض الكتب المهمة التي ينبغي علينا جميعًا قراءتها:
1- كتاب الخصائص الحسينية-الشيخ جعفر التستري.. حمّله من هنا
2- كتاب فاجعة الطف-المرجع الكبير سماحة السيد محمد سعيد الحكيم.. هنا
3- كتاب كامل الزيارات- الشيخ أبو القاسم ابن قولويه القمي..هنا
4- كتاب الوصايا العشر-الشيخ عباس بن نخي..هنا

ختامًا.. يقول سيدي سيد الشهداء عليه السلام "...من لحق بنا استشهد ومن لم يلحق بنا لم يُدرك الفتح، والسلام"، نسأل الله أن يجعلنا جميعًا ممن يدرك الفتح مع الحسين عليه السلام.

الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

إقتراب



حُمرة السماء المدهشة، والأصوات الخافتة همًا..
قميصك المُدمّى سيدي لاح في الأفق فلا الليل عاد ليلًا ولا النهار نهار،
راح ينئيان فرارًا من هجمة المُصاب..
والجوارح كلها يا سيدها صارت ترتعش خوفًا مما سيقع..
لا بصر، لا أنفاس، ولا عقل..بعيدًا عنك!
فهذهِ العين التي لولاك ما كانت يا "نور عيني" لا تُبصر شيئًا ولا تستقر
أبدًا كلما ذُكِرت..
والعقل الذي وهبتنيه ووضعت فيه ما وضعت لكي "يحاسب الله الناس على قدر
عقولهم" قد ولّى في محبتك واندثر، فعشقك الجنون، ولا حساب بعد..
هذه لياليك قد أقبلت وحان ميعاد الواقعة، ووضعنا الأيدي على القلوب
نعتصرها، نرتقب وقوف القدّيسة زينب على تلْ، تُنادي (ملاذي..) وهي ترتجي
سماع صوتك، ثم تسمع..تسمع ماذا؟ صوت ارتطام جسدك بالأرض.
ثم تنادي (ملاذي..) ثم تسمع..تسمع ماذا؟ أنينك الخافت يتبعه صوت ارتطام
جسدك بالأرض.
ثم تنادي (ملاذي..) فترى نورك المُدمّى من بعيدٍ وأنت تهوي، يهوي قلبها
إليك وتأتي يسربلها الريح ناثرًا التراب في الأعين كي لا يُنظر خيالها..
تُقعي بجانبك مُعدمة الحيلة، مخذولة الأعضاء وعينها على صدرك مذهولة،
تعلم ما ينال هذا الصدر بعد لحظات من وطأة نعل الحديد..
تنشر أطراف عباءتها على جراحاتك تُظللها، وتضل في ذلك
وحدها..ورائحتك..رائحة الوالدة، يُغشى عليها!
تنتبهُ مذعورةً جرّاء ركلةٍ غاشمة، تنظُر إلى أثوابها يتقاطر منها
الأحمر، الأحمر القاني الذي تعرفه جيدًا، تعرف رائحته، تقوم تطيح ثم تصيح
"
فار التنور"..