الأحد، 13 ديسمبر 2015

لقاء..



بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم


تصرّمت أيامك ورحلت، وأقبلت علينا أيامٌ مرّة تقلّ فيها الصرخة عليك..
أيامٌ بلا طعم، وبلا حياة..
كيف بي وقد رحل شهريك وتباعدت عاشوراؤك؟
كيف بجمرة مصابك تهفتها قاذورات الدنيا في الأيام المقبلة، التي لا لون لها؟

أحملُ قلبي على يديّ وأصيح، " ما لذّ عيشٌ بعد رضكِ بالجياد الأعوجية" لا والله ما لذ بنا عيش ولا يلذ، وكيف ذلك وأمك الزهراء تشهق كل يومٍ عليك؟ وكيف ذلك وولدك المنتظر لأمر ربه منتحل جسده عليك؟
لا والله  لا كان لي ذلك، وهل يحُدّك شهر أو شهرين، أو هل يسع مصابك دهر أو دهرين؟

دعني أراك في كل شيء
وأشم عطرك في كل شيء

آهِ يا حبيبي، كيف بي وقد قذفني عمري وتقادم بي، وليس لي عندها سواك، هبني عشقك الخالص هناك، هبني عقيدة بيضاء فيك، كعقيدة ذلك الشيخ الكبير الذي يمشي محني الظهر يردد اسمك ويخبر العالم بقوله عنك : "هوّا الروح والريّة"، أذقني ما أذقته عندما لمس شفتيه ثم قبّل أصابعه لأنه قال "حُسين" وكأنه أُلقم عسلاً أو ذاق شيئا من الجنة!

حياتي كلها ملكك وليس لي فيها تصرّف، فاجعل يا مولاي محورها أنت، وقبلتها وجهك، وجميع تصرّفها لأجلك..يا نور عيني!


وإن كان هذا آخر أعوامي، وآخر عامِ تدعوني فيه إلى مجلسك فاجعل لساني في أيامي الباقية بذكرك لهجًا، و لا تجعلني أبارح ساحة قدسك يا واهبي كل الحياة..

الثلاثاء، 20 أكتوبر 2015

يا أيها العبّاس



 "اصعدي إلى جلعاد وخذي بلسانا يا عذراء،لا رفادة لك. قد سمعت الأمم بحزنك، وقد ملأ الأرض عويلك، لأن بطلا ينصر بطلا فيسقطان كلاهما معا"  *الكتاب المقدّس-سفر آرميا *


يا أيها العبّاس..
انهض وانفُض دماك، حاملًا السِقا واقصد خيمتك..
أسرِع لذاك المُغمى عليه عند سجادة صلاتك..
بُخّ وجهه بالماء، ونادِه..

ناده النداء الذي تمنّى سماعه منك،
نادِه ببسمتك التي تجلي الهموم.."أخي"
أوما تدري يا أيها البطل ما يجري هناك؟
محبوبك الجريح جالسٌ وسط الخيمة، بجانبه زينبُكم..وعُطاشاك..

ينعاك..يغُص بحزنه، وتعلو الصيحة!
يُقيم مأتمه وينعاك..
يبكي ويُبكيهم على أثر السجود بين عينيك وقد فقدوه!
على صوت تلاوتك عند الأسحار وقد غاب وخبى!
يبكي السرور الذي كان يغشاه كلما وقعت عينه عليك..
يبكي رائحة "علي" التي تملأ أنفاسه كلما احتضنك..

يا أيها العباس أقبِل فقد تلوّع قلبه..
يتأوّه عليك وتنحني أضلعه..فاقدًا أنفاسه ونفْسه
فكُلُّها رحلت معك عندما ودّعك "اركب بنفسي أنت يا أخي"..

الخميس، 15 أكتوبر 2015

العرفان الحسيني



بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وعجِّل فرجهم والعن أعداءهم

"يا من نضدتم سلال اللهفة، جمعتموها تحت خمائله، ليهطل الثمر والمطر عشرة أعمار وثلاث فصول، اجمعوا زادكم منه وحده، ففي عطائه شبع وكفاية.
هو وحسب! انظروا.. لما تقصيكم عنه صوائح الحناجر الباهتة؟
انفضوا أياديكم من وضر النأي واسعوا إليه..اغترفوا من عطشه معينكم، واغتسلوا بانسكابات كوثره، وفي كل مساحةٍ..ازرعوه" تسنيم الحبيب*

ربما تأخر هذا المقال قليلًا في محاولة للخروج بأفضل تقديم له فلم أجد أفضل من نص الكاتبة الحبيب أعلاه مختزلاً حديثي.. عن المعرفة، معرفة المولى الحسين، كيف بنا ونحن على أبواب يوم الواقعة ونُهيّئ أنفسنا وننبئ أدمعنا أن تأهبي فقد حل المصاب وحان ميعاد الاكتئاب..
كيف لنا أن نجعل هذا المحرّم أفجع محرم يمر علينا ونبذل فيه كل أحزاننا أكثر من أي عام مضى؟ فهل يا ترى يكفيك أن تبكي ذات المقدار الذي بكيته العام الفائت؟ أم هل يرضيك أن تخرج من أيام عاشورائ وأنت لم تتقرب من الحسين عليه السلام خطوةً أكبر؟
لماذا الكثير منا يبخل على نفسه ويكتفي بعشرة أيام يحضر فيها مجلسًا أو أقل وربما ليلتان فقط؟
نحن وخصوصًا الشباب والشابات نفتقد إلى معرفة الإمام الحسين عليه السلام، نعم لا أحد يستطيع الوصول إلى كنه معرفته روحي فداه لكن محاولة التعرف إليه تقربنا منه، تُفرح قلب صاحب الزمان عليه السلام..

العرفان الحسيني؟
أن تعي حقًا هذا الحب الأقدس الكبير جدًا وأن تكون هائمًا فيه، متسربلا دوما بالحزن العميق لأن محبوبك الأعظم مظلوم وموتور..
العاشق عندما يبدأ في حبه صغيرًا مملوء بالشغف تجاه حبيبه، مشغول الفكر به وبالتعرف على أعماقه وصفاته، يهوي إليه فلا يرى غيره..ربما يُصاب أحد أصحابه بسوء ويصاب في ذات الوقت محبوبه فلا يكترث لصاحبه، لأن الجزء من قلبه قد أُصيب. فيظل مكتئبا منعزلاً عن عالمه حتى يزول السوء عن محبوبه..
كيف بك ومحبوبك الحسين الذي تناديه "بأبي أنت وأمي" هل فعلاً تحزن على الحسين أكثر من حزنك على والديك؟ هل تتتعامل مع مقتله كما تتعامل مع موت احدهما؟ أم مصابك في والديك أعظم؟

لماذا علينا تقصي المعرفة؟
لأننا شيعة! لقد اخترنا بعقولنا هذه في عالم الذر أن نكون موالين ومحبين لأبي عبد الله عليه السلام..وبما أنك اخترت أن تحمل هذه الأمانة العظيمة لا بد أن تسعى في الحفاظ عليها، تسعى لخدمة هذا المذهب الشريف ورفع رايته لا أن تكون على هامش الحياة.
علينا تقصي المعرفة لنُمهِّد ظهور الإمام الغائب صلوات الله عليه ولكي نعي حقيقة الغيبة المباركة وحقيقة الظهور، لا سيما أننا نعرف مال الذي سيظهر لأجله الإمام.. الثأر للدماء التي لم يُطلب لها، للدماء التي اقشعرّت لها أظلة العرش..دماء جده الحسين!
أضف إلى أن قربك الدائم والمتواصل من مولاك الحسين له لذةٌ لا تُضاهى أبدًا.

لماذا نحن غافلون عن الشرب من هذا النبع؟
·        حب النفس المبالغ فيه.. فتجد ذاك الشاب المعجب بنفسه ولسانه الذي يستطيع به إفحام كل أحد ويحاجج به في مواضيع زائلة وسُبابٌ هنا وهناك لأجل مباراة أو غيرها، يبذل طاقته كلها في هذا المراء ثم لا يمتلك القدرة على التقرب من مولاه، فهو مشغول بأشياء كثيرة.. ولو استغل فصاحة لسانه في التحدث مع أصحابه في سيرة المولى لازدهرت نفسه وأنفسهم.
وأيضا تجد هنا الشابة منخرطة في الإهتمام الزائد بشكلها ومظهرها، مساحيقها و"ماركاتها" لتظهر أمام العامة بالمظهر الذي تحبه، فتغدو تلهث وراء مغريات الحياة حتى تستولي عليها وعلى ثقافتها..فتجدها تخاف أيام عاشوراء! فلا تستطيع أن تظهر بدون زينتها فتفقد ثقتها بنفسها ولا أن تظهر بها فترى نظرات الاستنكار على الوجوه! وهنا تغلّب حب نفسها على حب الحسين فلو اعتنت بمعرفته كما تعتني بمظهرها لكانت ذُهلت بالمصاب عن كل ترهات الحياة..كما تفقد الفتاة عادةً حواسها عندما يموت أبوها!
·        التعامل مع عشرة المحرم معاملة الواجب الاجتماعي
وكأننا سنذهب لعزاء أحد الأقارب متمللين "لنتجنب لوم الوالدين" وتمضي الأيام ثقيلةً على قلوبنا لأن خروجنا للأسواق سوف يقل وبعض "الكشتات" ستتعطل، حتى بتنا نُقرر ونضع جداولا للترويح عن النفس بعد أن تنتهي هذه الأيام فورًا وكأنها أيام عادية تمر وروتين سنوي طبيعي، وليست هي الواقعة العظمى التي خلق الله لأجلها الخلق والتي يتهيأ لها الحجر والمدر.
·        لأننا لا نتفقه كما يريد منا أهل البيت
مستعدون لقراءة (رواية رومانسية) هابطة مليئة باللغط وخاوية من المعنى لكن لا نمتلك نصف ساعة لقراءة حديثٍ عن عظمة يوم الطف! وحتى إذا حضرنا المجالس أو نُقل إلينا حديث أحد الفقهاء وتحدّث بما لا نعرفه، حاربناه وقلنا أن الحسين لا يريد هذا وهناك ما هو أهم من قضايا الحياة..وكأننا عرفنا الحسين؟

كيف نقترب روحيًا من الإمام الحسين ونعرف القليل؟
·        اقرأ عن حياة الإمام من قبل ولادته وحتى استشهاده، وعن التخطيط الإلهي لواقعة كربلاء.
·        انظر إلى أحوال العاشقين وتأمّل ماذا يفعلون، في أيام الأربعين مثلا.
·        زر الحسين عليه السلام وواظب على زيارة عاشوراء، فلها الأثر الروحي الكبير، زرها واطلب من المولى أن يرضى عنك ويذكرك..دعنا نبدأ الآن مع بدء المحرم ونستمر لأربعين يومًا.
·        دعنا أيضًا نواظب على الزيارة الجامعة ففيها ما فيها من البناء العقائدي العظيم.
·        نحن كانت لدينا كنوز عظيمة قريبة من الإمام الحسين عليه السلام لكنها ذهبت إليه هذا العام وهي تُصلّي، فلنتأمّل أحوالهم جيدًا ونرى ماذا كانوا يفعلون حتى نالوا هذا القرب، فليس اختيارهم بالشهادة مصادفة بالطبع بل قد أعدّوا أنفسهم وأرادوا القرب، وقد قرأتَ بالطبع عن بعض مواقفهم التي تُبيّن علاقتهم به عليه السلام.
·        للشعر دور كبير في هذا.. اقرأ للعاشقين للمولى وتأمل أبياتهم العظيمة التي حظت بنظرة من أهل البيت..خذ مثلا شعر السيد حيدر والسيد جعفر الحلي.

هنا بعض الكتب المهمة التي ينبغي علينا جميعًا قراءتها:
1- كتاب الخصائص الحسينية-الشيخ جعفر التستري.. حمّله من هنا
2- كتاب فاجعة الطف-المرجع الكبير سماحة السيد محمد سعيد الحكيم.. هنا
3- كتاب كامل الزيارات- الشيخ أبو القاسم ابن قولويه القمي..هنا
4- كتاب الوصايا العشر-الشيخ عباس بن نخي..هنا

ختامًا.. يقول سيدي سيد الشهداء عليه السلام "...من لحق بنا استشهد ومن لم يلحق بنا لم يُدرك الفتح، والسلام"، نسأل الله أن يجعلنا جميعًا ممن يدرك الفتح مع الحسين عليه السلام.

الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

إقتراب



حُمرة السماء المدهشة، والأصوات الخافتة همًا..
قميصك المُدمّى سيدي لاح في الأفق فلا الليل عاد ليلًا ولا النهار نهار،
راح ينئيان فرارًا من هجمة المُصاب..
والجوارح كلها يا سيدها صارت ترتعش خوفًا مما سيقع..
لا بصر، لا أنفاس، ولا عقل..بعيدًا عنك!
فهذهِ العين التي لولاك ما كانت يا "نور عيني" لا تُبصر شيئًا ولا تستقر
أبدًا كلما ذُكِرت..
والعقل الذي وهبتنيه ووضعت فيه ما وضعت لكي "يحاسب الله الناس على قدر
عقولهم" قد ولّى في محبتك واندثر، فعشقك الجنون، ولا حساب بعد..
هذه لياليك قد أقبلت وحان ميعاد الواقعة، ووضعنا الأيدي على القلوب
نعتصرها، نرتقب وقوف القدّيسة زينب على تلْ، تُنادي (ملاذي..) وهي ترتجي
سماع صوتك، ثم تسمع..تسمع ماذا؟ صوت ارتطام جسدك بالأرض.
ثم تنادي (ملاذي..) ثم تسمع..تسمع ماذا؟ أنينك الخافت يتبعه صوت ارتطام
جسدك بالأرض.
ثم تنادي (ملاذي..) فترى نورك المُدمّى من بعيدٍ وأنت تهوي، يهوي قلبها
إليك وتأتي يسربلها الريح ناثرًا التراب في الأعين كي لا يُنظر خيالها..
تُقعي بجانبك مُعدمة الحيلة، مخذولة الأعضاء وعينها على صدرك مذهولة،
تعلم ما ينال هذا الصدر بعد لحظات من وطأة نعل الحديد..
تنشر أطراف عباءتها على جراحاتك تُظللها، وتضل في ذلك
وحدها..ورائحتك..رائحة الوالدة، يُغشى عليها!
تنتبهُ مذعورةً جرّاء ركلةٍ غاشمة، تنظُر إلى أثوابها يتقاطر منها
الأحمر، الأحمر القاني الذي تعرفه جيدًا، تعرف رائحته، تقوم تطيح ثم تصيح
"
فار التنور"..

الثلاثاء، 26 مايو 2015

عروج الورود..


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمدٍ وآل محمد وعجِّل فرجهم والعن أعداءهم

شهداءنا.. هلّا ألقيتم نظرةً على القديح؟ القديح التي طالما أحببتم ثراها هل ترون معي كيف صارت مظلمةً موحشة، قد ارتدت عباءتها الفضفاضة تأبى أن تخلعها، وتضمنا داخل عباءتها كما كانت أمهاتنا تفعل معنا حين كنا أطفالًا. تذكرون كيف كنتم تختبئون داخل عباءات أمهاتكم حينما تشعرون بالخوف أو عندما تلعبون "الغبّاية"؟ مؤكدًا تذكرون، فأنتم الآن ترونهنّ متسربلاتٍ بذات العباءات لكن طوال يومهن..
تنظرون إليهن ينادين بأسمائكم وتجيبون، ثم يسمعن ويجهشن بالبكاء.

أخبركم أيضًا عن القديح.. أتعلمون كيف مرّت الموالد الثلاثة التي طالما انتظرتموها معنا؟
لم يكن فيها بخور!
النساء لم يزغردن!
وكنتم في بين قلوبنا عندما قمنا للولادة..
الموالد لم تكن كالتي حضرتموها في حياتكم أبدًا، لم تروا مثيلًا لها...لم تكونوا لترضوا بأن تصبح الفرحة هكذا لو كنتم معنا، لماذا رحلتم إذًا؟ حتى أنكم لم تخبرونا أنكم دُعيتم إلى الشهادة والسعادة، لم تخبرونا لكي نذهب معكم.

حسنًا..أخبرتكم عن حالنا فأخبروني أنتم الآن كيف كانت رحلتكم؟
لا لا تجيبوا وتتعبوا أرواحكم الطاهرة في الرد على المغبونين أمثالي، فلأقل لكم أنا ما يُخيّل إليّ..
من أن رائحة الجنة (العباس بن علي) عليه السلام أتى لكم بإحدى وعشرين وردةً بيضاء وقال لكم شمّوها ثم اركعوا، عبقها أخذ بمجامع قلوبكم ثم هويتم للركوع وإذا بصوت إمام الصلاة يتغير، صار صوتًا ربّانيًا لم تسمعوا شبيهًا له من قبل. حتى إذا فرغتم من الصلاة والتفتّم إلى جانبيكم فرأيتم الناس قد تغيّرت ومعكم اثنان وسبعون رجلًا مرتدين الدروع ومتقلّدين السيوف ووجوههم مستبشرةٌ بكم. نهضوا واصطفوا عن اليمين وعن الشمال مفسحين الطريق لإمام الصلاة..
جاءكم نوره يتقدمه وأقبلت عليكم آيات القرآن، أتى فاتحًا باعه يحتضنكم واحدًا واحدًا، تعرّفتم عليه من رائحة التفاح التي تفوح من عنقه الطاهر ثم هويتم إلى أقدامه بعدما هوت دموعكم تعفّرون الخدود وتقولون "حبيبي حُسين"..

فطوبى لكم ولأهليكم هذا المقام الرفيع..

الخميس، 5 مارس 2015

و رحلت فاطِمة..


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وعجلِّل فرجهم العن اعداءهم

نقلًا عن المرجع الكبير الشيخ الوحيد الخراساني دام ظله: " إنّ واجبكم أيها الفضلاء أن تطلقوا أقلامكم وألسنتكم في بيان مظلومية الزهراء عليها السلام، التي لم يرَ العالم مثلها، وأن تعرّفوا الناس بهذه المظلومية التي لم يعرف التاريخ مظلومًا مثل زوجها ومثلهًا"

لست من الفضلاء ولكنني أمتلك قلمًا يريد أن يحكي أحزان الزهراء، فحشّدتُ كلماتي وجعلتها تركع عند قدمي سيدتي زينب عليها السلام لتروي لنا ذاك المُصاب..

كانت السماء يومها تُمطر كمدًا، وأصوات نواح الملائكة تحفُّ بيتكِ تساعد أمكِ في فقدها، كنتِ تتأملين والدكِ يجمع القرآن ويكتبه..غارقًا في كلام الله ومُغرقًا العالم في عينيه..

ما زال يُحرّك يده ويخط، يُبطئ قليلًا كأنما انقبض قلبه في جوفه، يُرخي رأسه ويتحادر الدمع، الدمع الذي لم تري غيره في الأيام الأخيرة.. ذُهلتِ من فعله فألحق ذهولكِ صوتها الضعيف تقول: " يافضة إليكِ سنّديني"

قمتِ، تعثرتِ بأذيالك ووقعتِ.. عندما تلقّيتِ الأرض بيديكِ أحسستِ بدفءٍ غريب، إنه شيءٌ دبقٌ داكن.. ثم نظرتِ من أين يجري ومشيتِ تتبعينه وكانت هناك..بين الأرض والباب تتراءى يدٌ صغيرة، أصغر من يديكِ الترِفة..يدٌ حمراء قانية، لونٌ لم تريه من قبل ومن هذا اليوم سيبدأ رحلته معكِ.

حرّكتِ الباب لتعرفي قصة اليد الصغيرة والدماء الكثيرة، حرّكتِ الباب لتقتلعي قلبكِ المرهف وتصرخين، لتفزعي وتركضي مبتعدةً ثم تعودين لتشهقي وترمي بنفسكِ عليها، على نبع الدماء، على أيامكِ الكسيرة.. 
تسمعين صوت حطام قوارير متصادمة تعقبها أنةٌ عظيمة، مصدر الصوت حيث وضعتِ رأسكِ، صدرها!

تفزعين مجددًا وتيممين شطرك نحو الغياث وترين خيط الدم الممتد أرضًا قد تغطى بحبلٍ طويل..طويل، حبلّ متين كما لم تري من قبل. مشيتِ إليه والذهول يزلزلكِ، فقط تبحثين عن علي، ثم ماذا؟ إلى ماذا نظرتِ؟ هل كان يشد وسطه ويضع الفقار عليه؟ يلبس عمامتهُ على عجلٍ وغضب؟ 
 
لا يا زينب، رأيتِ ذلك الحبل ملتفٌ كأفعى حاقدة حول عنق الرجل الوحيد في الدنيا، عنق هيبتكِ ووقاركِ. ثم ماذا؟ كيف كانت عيناه؟ 
يُشيح نظراته المليئة بالقذى والألم، حتى لا يراكِ ولا يرى دماء الزهراء على ردائكِ، لا يرى الحُمرة تعتلي وجهكِ..

تتوالى الأيام يا زينب وترينها مُسجّاة على سجّادتها وقت الغروب، غابت و قد انتحل جسمها وذبُل ما حول عينها، عينها؟ انبئيني عن العين، ذابلةٌ أم متورمة؟ كالجمر كانت أم كالرماد؟
والآن يا زينب، وقد تمدّدتِ بطولها.. اعتفري وانشري الشعر، مٍري السماء أن تقع قبل أن تري صدرًا آخر مرضّضًا، دعي الحيطان تنّدك واعولي، لملمي شتات الدموع ثم اغتسلي بها، وعندما تصبح الوالدة تحت التراب وتبقين وحيدة..وحيدةً كعصفورٍ أضاع أمه وفقد جناحه، حينها تكوّري على نفسكِ واجلسي خلف الباب حيث الدماء القانية وانشُجي، تناولي المسمار وشُمّيه واذهبي حيث كنتِ يوم الواقعة، حيث يجمع الهزبر القرآن وناوليه المسمار، دعيه يكتب به سِفر الأحزان..
ثم ردّدي: "وسيعلم الذين ظلموا -آل بيت محمدٍ -أي منقلبٍ ينقلبون"..

الثلاثاء، 3 فبراير 2015

الأولوية لمن؟



بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وعجِّل فرجهم والعن أعداءهم

قبل فترة كنت في نقاش مع إحدى صديقاتي عن الدراسة وصعوباتها وكانت تحكي لي عن زميلاتها في التخصص وكيف أن صعوبة المقررات استولت عليهن حتى صرن يقلن " إن ما يهمنا الآن في الدراسة هو النجاح وكفى"، استوقفتني هذه الكلمة وتساءلت لمَ أدرس أنا ولأي هدف؟ فقلت لها "أما أنا فأدرس هكذا للدراسة فقط" قبل أن تفاجئني هي وتقول " أنا ادرس لأُدخل السرور على قلب صاحب الزمان عليه السلام". غمرتني لحظة صمت وبدأت تنهال على رأسي الأسئلة، والعتاب أيضًا!
أعمالكِ كلها ما الغاية التي تجعلكِ تستمرين للوصول إليها؟ لمن الأولوية في حياتك؟

نعم، ففي الحقيقة  معظمنا يذهب يوميًا لعمله و جامعته أو حتى ليؤدي خدمةً لأخيه متمللًا كالمجبر على الشيء، فأهدافنا ليست واضحة ومتجلّية أمام أعيننا وحتى لو كانت واضحة ورحنا نعمل بجدٍ وإصرار فإن صاحب الزمان وإدخال السرور على قلبه يكون عادةً من آخر الغايات والأهداف التي نخطط لها على مدار عامنا أو يومنا.
فنحن نختار لأنفسنا أفضل الوظائف، أفضل التخصصات لنحقق ذاتنا لذاتنا وفقط، أو ليفخَر بنا أهلنا وأحبابنا. ننشر الخير هنا وهناك ونتطوع وننمي أنفسنا لنشعر بالرضا ولتكون الحياة طيبة، نذهب لمقابلة الأصدقاء لأننا نحبهم أو لأننا نبحث عن الترفيه.
فلنسأل أنفسنا كم هديةً نقدّم لصاحب الزمان عليه السلام خلال الشهر؟ نحن مقصّرون للأسف ومن ثم نتبجّح بأن الإمام محبوبنا الأول.

إذن كيف أجعل الأولوية في حياتي للإمام؟

أي شيء في حياتنا لا يكون أولويةً لأننا نريد هذا فقط، بل لا بد أن ينبع الاعتقاد من أعماقنا أن بهذا الشيء تحقيق نجاححنا وسعادتنا لذا فرضا المولى أو إدخال السرور على قلبه قد يغيب عن أذهاننا عندما نقوم مثلًا بزيارة للأقارب فلا ننوي قبل الذهاب، ربما للإعتياد أو غير ذلك، فلا بد أن نستشعر الأولوية ونعتقد بها بعدة طرق قد تتفق معي ومع أحدكم..

- ابدأ بحفظ قصيدة عن صاحب الزمان وترديد أبياتها خلال نهارك عندما تقصد الجامعة مثلًا وتحضرك الأبيات حتمًا سيحضر الإمام في قلبك وتذكره فتنوي في طريقك أنك ذاهبٌ لطلب العلم ونفع الأمة به لكي يسرّ بك الإمام ويُحبك.

- افتتح يومك بالسلام عليه وقل له أن أعمالي اليوم كلها هدية لك فاقبلها مني.

- لكي تُحب أحدًا وتزداد هيامًا به لا بد أن تتعمق في معرفته والتقرب إلى شخصه ومناجاته، وحتى تتقرب إليه سلام الله عليه لا بد أن تقرأ عنه وعن حياته، ولا تنسى أن تُناجيه وتخبره بحبك له، فعندها سيكون في قلبك طول الوقت.

بعد أن يستولي على قلبك حبه وتكون أعمالك الطيبة جميعها باسمه فتخيّل كيف ستكون حياتنا جميلة وكيف تتذلّل الصعوبات التي كنا نخشاها، تذهب لمقابلة صديقك لأن الإمام يُحب صلة الإخوان، تحصل على براءة اختراعٍ لأنك علّمت نفسك واجتهدت عليها لتخدم المحبين باسم الإمام، تدرس السنوات الطوال ومن ثم تعالج أيتام آل محمد لتدخل الفرحة على قلبه المتألم..


إذا تخيّلت فقط كيف يتهلّل وجهه وقت الفرح وأردت ذلك، فأعد ترتيب أولوياتك و أخبرني الآن (الأولوية لمن؟)